البذرة الأولى

الخميس، 31 يوليو 2008

قصة نفس


فرغت لتوي من قراءة كتاب (قصة نفس) لزكي نجيب محمود، وكان أول ماجذبني للكتاب هو عنوان الفصل الأول منه (أحدب النفس)! وما أن وقعت عيني على الجملة الأولى منه (الحياة عبئها ثقيل على من أصابه في الحياة خذلان) حتى شعرت وكأن كاتب هذه الكلمات قد صرح بما انطوت عليه نفسي ولم أستطع أن أعبر عنه فضلا عن أن أصرح به.
هكذا مضت أيام عشت فيها مع الكاتب أسير خلف كلماته علني أعثر على سر حزنه واحدودب نفسه. عرفت أنه قد أوتي حظا من الموهبة التي لم تجد من أقرب الناس إليه من يقدرها حق قدرها. وكانت للأحدب هذا نفسا شديدة الحساسية، قوية العاطفة.
و(قصة نفس) يروي فيها صاحبها عن ثلاثة شخوص، وكأن كل واحد منهم قد جسد سمة من سمات النفس الإنسانية. جسد (رياض عطا) العاطفة الإنسانية الخالصة، و(إبراهيم الخولي) العقلانية البحة، و(فوزي) الرواي التوازن والاندماج في المجتمع. وقد أثار انتباهي في هذه السيرة أن السر وراء حزن الأحدب وإبراهيم الخولي هو ماذكرت سابقا موهبة لم تجد من يقدرها حق التقدير، فشبههم الراوي بالبحر المحيط الذي قد يخدع الناظر بسكونه ووداعته ولا يعرف ما خبئ في أعماقه من غضب كان هو القوة الدافعة له ليكمل مسيرة حياته.
كان كلا من الأحدب وإبراهيم الخولي شديد الانطوائية، ولكن الألم الذي كان يسكن نفسيهما كان هو القوة الدافعة المحركة لهما؛ ليثورا ويكتبا ويحققا بغيتهما، محاولين الثورة على السائد والمألوف.
وحين فرغت من الكتاب طفقت أسأل نفسي، وأوجه أسئلتي للكاتب تباعا -أيضًا-: ما الضير في ألم يكون وقودا لحياتنا، ويدفعنا لنحقق ما نصبو إليه؟ وما البأس في حزن يرهف إحساسنا ويملأ قلوبنا رحمة بهؤلاء المظلوين الذين امتلأ العالم بهم، فنتحرك في دأب وهمة محاولين دفع الظلم عنهم؟!

من أقوال الإمام علي كرم الله وجهه

القلم
- عقول الناس مدونة في أطراف أقلامهم.
الإحسان
- ليس الإحسان غذاء ولا شرابا ولا كساء، بل مشاركة الناس في آلامهم.
الاتفاق
- إنه لاغناء في كثرة عددكم مع قلة اجتماع قلوبكم.
التسامح والعفو
- لا تضربوا أولادكم على كسر أوانيكم، فإن لها آجالا كآجالكم.
الحياء
- غاية الأدب أن يستحي الإنسان من نفسه.
الخير
- اطلب الخير من بطون شبعت ثم جاعت، لأن الخير فيها باق، ولا تطلب الخير من بطون جاعت ثم شبعت، لأن الشح فيها باق.
الذل
- الناس من خوف الذل في ذل.
الرضى
- نعم القرين الرضى.

الجمعة، 25 يوليو 2008

يالبراءة الأطفال

يالبراءة الأطفال!

ربما كان من حسن طالعي اليوم أن أستقل الحافلة في طريق عودتي إلى المنزل، لكي أجلس بجوار سيدة وابنتها الصغيرة ذات السنوات الأربع أو الخمس. أخذت الأم تقطع طول المسافة بتلاوة آيات من القرآن الكريم على مسامع ابنتها، ثم تطلب منها إعادتها عن ظهر قلب، حتى إذا ماوصلت الفتاة إلى قوله تعالى:"يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه." أخذ جسدي كله في الانتفاض.
تتلعثم الفاة في تلاوتها، وأعرف أنا مدى تعثري في طريق حياتي!
تقرأها ببراءة شديدة، وتقع الآية على رأسي كالصاعقة!
إنها لا تدرك معنى ما تقرأ، وأنا غافلة عما تقرأ!
فهل أدركت الآن بعد المسافة بين عالم الصغار، وعالم الكبار؟!
فاللهم ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.

الأربعاء، 23 يوليو 2008


خلف عظام الصدر



تقع عيني كثيرا على صورة الدكتور/ عبد الوهاب المسيري، تلك الصورة المطبوعة في أعلى سيرته الذاتية. وكلما وقعت عيني عليها، خيمت علي حالة من الحزن والأسى؛ فإنني لا أبكي الرجل بقدر ما أبكي زوجه وابنته من بعده. أضع نفسي موضعهما فأجدني على أعتاب ألم لا طاقة لي به، فأصرف ناظري عن الصورة سريعا، وأحمل نفسي على التغافل والتناسي.
وربما ظن القارئ أنني عرفت الرجل معرفة شخصية، وليس الأمر كما خيل له، بل كل ما هناك أنني قرأت جزءا من سيرته الذاتية، وأتت كلماته في ثنايا كتابه تصف تلك الرابطة التي تربطه بزوجه وابنته. فقد كانت كلماته عن زوجه تفيض مودة واحتراما، وأقرأ كلماته التي تصف ابنته فأستشعر أبوته الصديقة الصادقة.
لا ريب أن خسارتنا فادحة برحيله؛ لما كان له من مكانة مرموقة في عالم الفكر والثقافة والأدب، ولكن ماذا عن خسارة زوجه وابنته؟!
يقولون:"فتش عن المرأة." وأنا أقول:"فتش عن المرأة، ثم فتش في حياتها عن الرجل."
نعم، فتش في حياة كل امرأة عن الرجل، فتش عن مزلته من حياتها، أهي منزلة الأب الحاني، والأخ المعين، والزوج الرفيق، أم هو التسلط والقهر والذل تجسد في صورة إنسان، أم هو شبح لا يؤبه له؟
أيها الرجل، إن كنت حقا تنشد السعادة فلا تلقِ باللائمة كلها على المرأة وحدها، بل اعرف أنك منها بمنزلة عظام الصدر، وهي منك بمنزلة القلب الذي به مناظ حياتك. فهل وجدت يوما قلبا وقد اختبأ خلف عظام الجمجمة؟! وهل لاحظت تقوس عظام صدرك وحنوها على القلبك؟ فإن كنت تنشد قلبا صحيحا وسليما ينبض بالحياة، فلا تكونن عظامك تلك قضبانا لامناص منها ولا خلاص إلا بتكسيرها، أو باعتلال لا يعقبه إلا الموت!

الاثنين، 21 يوليو 2008


قلوب يملأها الورد


بالأمس أرسلت لي إحدى صديقاتي هذه الصورة، وأخبرتني أن الصورة قد أعجبتها، وأرادت أن تعلق عليها ببضع كلمات لكنها لم تستطع. حينها تبادر إلى ذهني أنها ربما دفعت إلي بالصورة لأقوم أنا إما بكتابة انطباعي عنها أو وصفها.
تأملت في الصورة مليا وظل الأمر يشغل تفكيري إلى اليوم وخطر لي أنه ربما كان حريا بنا أن نترك مساحة في قلوبنا نملأها بالزهر وأنواعها المختلفة، تماما كما نشتري الزهور بألوانها المختلفة لنعبر بها عن عواطفنا.
الأمل


للكاتب أحمد حسن الزيات *

الله في السماء ، والأمل في الأرض ، وبين روْح الله المؤاسي ، ومدد الرجاء الآسي تندمل الجفون القريحة ، وتلتئم القلوب الجريحة ، وتنتعش الجدود العاثرة .
الكروان يموت فرخه في المساء ، وفي الصباح يرقص ويصدح ، والشاة يذبح حملها في الحظيرة ، وفي المروج تثغو وتمرح ، والقلب يُقطع من القلب والرُّوح تُنزع من الروح ، ثم يعيش المُحِبُّ بعد حبيبه ، والوالد بعد ولده ، كما يعيش النهر الناضب في ارتقاب الفيضان ، والروض الذابل في انتظار الربيع .
لله على الناس نعمتان لا يطيب بدونهما العيش ، ولا يبلغ إلا عليهما العمر : النسيان والأمل ماذا كان يصنع الأسى بالقلوب الوالهة إذا لم يمح النسيان من الذهن صورة الحبيب الراحل أو الهاجر ؟ تأمل حالك يوم فجعك الموت في عزيز عليك ، أما كنت تجد لهيب الحزن متصلاً يوقد صدرك من غير خُبُوَ ، ويذيب حشاك من غير هُدْنَةٍ ؟
تصور دوام هذه النار على نياط القلب وأعصاب الجسد ، ثم قَدَّر في نفسك الحياة على هذه الصورة ، على أنها والحمد لله لا تدوم ، فإن الجبار الذي سَلَّط الألم على الروح ، وهو الرءوف الذي سلط الزمن على الألم ، فالزمن لا ينفك يسحب ذيول الأيام والليالي ، على الصور والآثار حتى تنطمس المشابه وتعفو الرسوم ، ولا يبقى من المفقود إلا صورة لا تنطق ، ولا من الجراح إلا ندبة لا تحس .
وماذا كان يفعل اليأس بالنفوس المكروبة إذا لم يفتح الأمل أمامها فرجة في الأفق المُطْبق ، وفسحة من الغد المجهول ؟
يا ويلتا للفقير يعتقد أن فقره يدوم بدوام الحياة ، وللمريض يرى أن مرضه ينتهي بإنتهاء الأجل ، ويا بؤسى للحياة إذا لم يقل المأزوم والمحروم والعاجز : إذا كان في اليوم قنوط ، ففي الغد رجاء ، وإذا لم تكن لي الأرض فستكون لي السماء ??????????????????!



كاتب مصري من العصر الحديث كان يرأس تحرير مجلة ( الرسالة ) الأدبية ، توفي بالقاهرة سنة 1388 هـ 1968 م رحمه الله

الأحد، 20 يوليو 2008

في المحن

ليس أفضل ما في المحن أن تتعرف بها على معادن الناس، وإن كان ذلك كنز لاريب، ولكن الأنفس منه -حقا- أن تعرف معدن نفسك التي بين جنبيك.

في المحن تتكشف لك نفسك بلا رتوش ولا زيف ولا مراوغة، وترى، وتسمع، وتعرف منها مالم تره وتسمعه وتعرفه في حال الرخاء والدعة.

في المحن تكون نفسك هي عدوك الحقيقي في ساحة المعركة. فالنفس ما أن تنزل بها محنة حتى تراها تفزع إما إلى اليأس والجزع، وإما إلى الغضب والتسخط. ولإن سلمت لها، فتلك إذا هي الهزيمة النكراء.

اجعل سيف الصبر حائلا بينها وبين الجزع والغضب، حتى تيأس هي فلا تجد سبيلا إلا أن تنقاد لك. حينها -فقط- طب نفسا، وقر عينا، واعلم أن فرج الله قريب!

السبت، 19 يوليو 2008

دعاء
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: علمني كلمات أتجه بهن إلى الله في أعقاب الصلوات الخمس، فإني أجد في نفسي حاجة إلى الدعاء في هذه الأيام الشداد.
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: سل الله يا بني أن يعصمك من صغر النفس الذي تضخم له الأجسام، ومن ضيق العقل الذي تتسع له البنطون، ومن قصر الأمل الذي تمتد له أسباب الغرور.
(ويقول طه حسين: بأنه كان حاضر هذا الحديث بين الأستاذ الشيخ والطالب الفتى، فقال في نفسه: ما أجدر الشباب المصريين أن يتخذوا من هذا الدعاء لأنفسهم برنامجا وشعارا).
- من (جنة الشوك) لطه حسين.

الجمعة، 18 يوليو 2008



علامة الاستفهام؟
تظل الإجابة عن الاختبارات النفسية والبحث عن جديدها واحدة من أشياء قليلة تبعث النشاط والبشر في نفسي. فإن العديد من الأسئلة يملأ رأسي -ويخيل إليَّ أحيانا أنه لو شج رأسي يوما لسال بدل الدم سيلا من علامات الاستفهام؟؟؟؟؟-.
وقد عرفت من نتائج أحد هذه الاختبارات أن من يطيل النظر في المرآة فقد انطوت نفسه على العديد من الأسئلة.
من أنا؟ يكاد يكون السؤال الوحيد الذي لا أكف عن طرحه على نفسي ليل نهار. ولا تظن أني أعمد إلى التفلسف، ولكنه بحق سؤال ظللت حينا من الزمن أفتش عن إجابة له، حتى وقعت على الإجابة يوما ما، فعرفت أني لا أحتاج إلى كل هذا العناء إن حرصت أن أكون كما أنا، وأن أصدر عن ذات نفسي في كل شيء، حتى في طبيعتي الشريرة أكون كما أنا.
تمهل! لاتتعجل فتغلق النافذة أو تنتقل إلى مدونة أخرى ظانا أني أهذي أو أدعوك إلى الرذيلة، فقد خبرت أن صدروك في كل شيء عن ذات نفسك، حتى في شرك، يجعل من هويتك واضحة جلية أمامك بلا زيادة أو نقصان. فإني حين صدقت مع نفسي عرفت مكمن الضعف فيَّ، فلم أفتأ أعالج اعتلالي، وأقيم ما أعوج مني.

الاثنين، 14 يوليو 2008

عند قبر أمي
إن لي نفسا قلقة مضطربة الله وحده من يعلم ما يشيع بداخلها من خوف وقلق وحزن. وكلما خارت قواي من اضطرابها ذاك طفقت أبحث عن مكان آوي إليه، أو شيئا أصنعه عله يخفف عني ما أعانيه قليلا فلا أجدني إلا وكأنني انتقلت أمام قبر أمي.
إن أكثر ما يسيطر علي في كثير من الأحيان هو رغبة عارمة في أن أرقد بجوار أمي في هدوء وسلام وطمأنينة . غافلة عن أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالموت. والموت لا يعني أن أرقد هناك في عالم هادئ وادع، بل إنني ما أن أنتقل من هذه الحياة حتى ينكشف أمامي حصاد سنوات العمر، طالت أم قصرت، وأرجو أن تتداركني رحمة الله.ومع ذلك ما يستقر في وجداني هي تلك الرغبة الجامحة بأن أرقد بجوار أمي منكفأة على نفسي كما يستقر الجنين هناك في بطن أمه، وكما فعلت حين كان يرقد جثمانها على سرير الموت في سكينة وسلام.عندما أقف على قبرها لا أتمالك نفسي فأجدني أجهش في بكاء حار أول الأمر، وماهي إلا لحظات حتى أطمئن وأسكن، بل وأشعر أن العالم من حولي وكأنه أخلي من ساكنيه، وأن الزمن قد توقف أخيرا يلتقط أنفاسه ويستريح من صراعات لا تنتهي، وقسوة تضرب بأطنابها في كل زاوية من العالم.حين أستعد لزيارة أمي في مثواها أغري نفسي بأن حديثي معها قد يزيح من على كاهلي حملا ثقيلا احدودب ظهري منه، أو أنه قد يبث البشر في نفسي، ويزيح عني ما أعانيه من ألم وحزن. أوهم نفسي بأن ثرثرتي أمام قبرها قد تريحني كما كانت تريحني أثناء حياتها، فقد كان ديدني أن لا أكف عن الثرثرة والكلام والصراخ طوال سنوات عديدة، وكانت هي تنصت بحب واهتمام وصبر وحنان لا مثيل لهم رحمها الله! رحمها الله! كم كانت حنونا وصبورا على عبثي وصفاقتي وغضبي وحتى دموعي!والآن، حين أقف على قبرها ما عادت كلمات الدنيا تهدء من روعي لأنني بت أوقن الآن أن اللغة التي نستخدمها في عالمنا هذا ليست هي اللغة التي يمكن أن أتواصل معها مع أمي. حتى عندما تحين منيتي لا أتخيل نفسي أحدثها، بل كل ما أتخيله وأطمئن إليه أن أوراى معها بعيدا عن هذا العالم الصاخب في عالم هاديء وادع تمام كما يرقد الجنين هناك في رحم أمه!

الأحد، 13 يوليو 2008

بسم الله الرحمن الرحيم

أحفظ بيتا من الشعر أردده بيني وبين نفسي من حين لآخر فإن له وقعا طيبا في نفسي. وهو بيت من الشعر النبطي يقول صاحبه فيه:

يموت الشجر واقف وظل الشجر ما يموت

عقدت عزمي أن أطلق اسم الشجرة على هذه المدونة، ولم أشأ في ذاك أن أستحضر معنى التضحية والعطاء حين يذكر الشجر، بل ما رميت إليه هو ثباتها وقوتها وجذورها الضاربة في أعماق الأرض.

أعلل نفسي بذاك البيت؛ لأضرب أنا الأخرى بجذوري في الأرض، فأظل ثابة الخطو، شامخة الرأس. ويقولون في الأمثال الشعبية:"يا شجر، ما يهزك ريح."

نعم، فقد تفقد الشجرة ثمارها وأوراقها، وتتكسر أغصانها إن هبت عليها ريح عاصفة، إلا أن جذعها الضارب بجذوره في الأرض يظل ثابتا شامخا مستعصيا على الريح، فلا تقدر على اقتلاعه، ولا زحزحته من مكانه.

تمر السنون وقد لا تورق الشجرة، ولا تؤتي أية ثمار، لكنها تظل راسخة في أعماق الأرض تجود بظلها على كل غادٍ أو رائح!