فرغت لتوي من قراءة كتاب (قصة نفس) لزكي نجيب محمود، وكان أول ماجذبني للكتاب هو عنوان الفصل الأول منه (أحدب النفس)! وما أن وقعت عيني على الجملة الأولى منه (الحياة عبئها ثقيل على من أصابه في الحياة خذلان) حتى شعرت وكأن كاتب هذه الكلمات قد صرح بما انطوت عليه نفسي ولم أستطع أن أعبر عنه فضلا عن أن أصرح به.
هكذا مضت أيام عشت فيها مع الكاتب أسير خلف كلماته علني أعثر على سر حزنه واحدودب نفسه. عرفت أنه قد أوتي حظا من الموهبة التي لم تجد من أقرب الناس إليه من يقدرها حق قدرها. وكانت للأحدب هذا نفسا شديدة الحساسية، قوية العاطفة.
و(قصة نفس) يروي فيها صاحبها عن ثلاثة شخوص، وكأن كل واحد منهم قد جسد سمة من سمات النفس الإنسانية. جسد (رياض عطا) العاطفة الإنسانية الخالصة، و(إبراهيم الخولي) العقلانية البحة، و(فوزي) الرواي التوازن والاندماج في المجتمع. وقد أثار انتباهي في هذه السيرة أن السر وراء حزن الأحدب وإبراهيم الخولي هو ماذكرت سابقا موهبة لم تجد من يقدرها حق التقدير، فشبههم الراوي بالبحر المحيط الذي قد يخدع الناظر بسكونه ووداعته ولا يعرف ما خبئ في أعماقه من غضب كان هو القوة الدافعة له ليكمل مسيرة حياته.
كان كلا من الأحدب وإبراهيم الخولي شديد الانطوائية، ولكن الألم الذي كان يسكن نفسيهما كان هو القوة الدافعة المحركة لهما؛ ليثورا ويكتبا ويحققا بغيتهما، محاولين الثورة على السائد والمألوف.
وحين فرغت من الكتاب طفقت أسأل نفسي، وأوجه أسئلتي للكاتب تباعا -أيضًا-: ما الضير في ألم يكون وقودا لحياتنا، ويدفعنا لنحقق ما نصبو إليه؟ وما البأس في حزن يرهف إحساسنا ويملأ قلوبنا رحمة بهؤلاء المظلوين الذين امتلأ العالم بهم، فنتحرك في دأب وهمة محاولين دفع الظلم عنهم؟!