البذرة الأولى

الاثنين، 14 يوليو 2008

عند قبر أمي
إن لي نفسا قلقة مضطربة الله وحده من يعلم ما يشيع بداخلها من خوف وقلق وحزن. وكلما خارت قواي من اضطرابها ذاك طفقت أبحث عن مكان آوي إليه، أو شيئا أصنعه عله يخفف عني ما أعانيه قليلا فلا أجدني إلا وكأنني انتقلت أمام قبر أمي.
إن أكثر ما يسيطر علي في كثير من الأحيان هو رغبة عارمة في أن أرقد بجوار أمي في هدوء وسلام وطمأنينة . غافلة عن أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالموت. والموت لا يعني أن أرقد هناك في عالم هادئ وادع، بل إنني ما أن أنتقل من هذه الحياة حتى ينكشف أمامي حصاد سنوات العمر، طالت أم قصرت، وأرجو أن تتداركني رحمة الله.ومع ذلك ما يستقر في وجداني هي تلك الرغبة الجامحة بأن أرقد بجوار أمي منكفأة على نفسي كما يستقر الجنين هناك في بطن أمه، وكما فعلت حين كان يرقد جثمانها على سرير الموت في سكينة وسلام.عندما أقف على قبرها لا أتمالك نفسي فأجدني أجهش في بكاء حار أول الأمر، وماهي إلا لحظات حتى أطمئن وأسكن، بل وأشعر أن العالم من حولي وكأنه أخلي من ساكنيه، وأن الزمن قد توقف أخيرا يلتقط أنفاسه ويستريح من صراعات لا تنتهي، وقسوة تضرب بأطنابها في كل زاوية من العالم.حين أستعد لزيارة أمي في مثواها أغري نفسي بأن حديثي معها قد يزيح من على كاهلي حملا ثقيلا احدودب ظهري منه، أو أنه قد يبث البشر في نفسي، ويزيح عني ما أعانيه من ألم وحزن. أوهم نفسي بأن ثرثرتي أمام قبرها قد تريحني كما كانت تريحني أثناء حياتها، فقد كان ديدني أن لا أكف عن الثرثرة والكلام والصراخ طوال سنوات عديدة، وكانت هي تنصت بحب واهتمام وصبر وحنان لا مثيل لهم رحمها الله! رحمها الله! كم كانت حنونا وصبورا على عبثي وصفاقتي وغضبي وحتى دموعي!والآن، حين أقف على قبرها ما عادت كلمات الدنيا تهدء من روعي لأنني بت أوقن الآن أن اللغة التي نستخدمها في عالمنا هذا ليست هي اللغة التي يمكن أن أتواصل معها مع أمي. حتى عندما تحين منيتي لا أتخيل نفسي أحدثها، بل كل ما أتخيله وأطمئن إليه أن أوراى معها بعيدا عن هذا العالم الصاخب في عالم هاديء وادع تمام كما يرقد الجنين هناك في رحم أمه!

ليست هناك تعليقات: