البذرة الأولى

الأربعاء، 23 يوليو 2008


خلف عظام الصدر



تقع عيني كثيرا على صورة الدكتور/ عبد الوهاب المسيري، تلك الصورة المطبوعة في أعلى سيرته الذاتية. وكلما وقعت عيني عليها، خيمت علي حالة من الحزن والأسى؛ فإنني لا أبكي الرجل بقدر ما أبكي زوجه وابنته من بعده. أضع نفسي موضعهما فأجدني على أعتاب ألم لا طاقة لي به، فأصرف ناظري عن الصورة سريعا، وأحمل نفسي على التغافل والتناسي.
وربما ظن القارئ أنني عرفت الرجل معرفة شخصية، وليس الأمر كما خيل له، بل كل ما هناك أنني قرأت جزءا من سيرته الذاتية، وأتت كلماته في ثنايا كتابه تصف تلك الرابطة التي تربطه بزوجه وابنته. فقد كانت كلماته عن زوجه تفيض مودة واحتراما، وأقرأ كلماته التي تصف ابنته فأستشعر أبوته الصديقة الصادقة.
لا ريب أن خسارتنا فادحة برحيله؛ لما كان له من مكانة مرموقة في عالم الفكر والثقافة والأدب، ولكن ماذا عن خسارة زوجه وابنته؟!
يقولون:"فتش عن المرأة." وأنا أقول:"فتش عن المرأة، ثم فتش في حياتها عن الرجل."
نعم، فتش في حياة كل امرأة عن الرجل، فتش عن مزلته من حياتها، أهي منزلة الأب الحاني، والأخ المعين، والزوج الرفيق، أم هو التسلط والقهر والذل تجسد في صورة إنسان، أم هو شبح لا يؤبه له؟
أيها الرجل، إن كنت حقا تنشد السعادة فلا تلقِ باللائمة كلها على المرأة وحدها، بل اعرف أنك منها بمنزلة عظام الصدر، وهي منك بمنزلة القلب الذي به مناظ حياتك. فهل وجدت يوما قلبا وقد اختبأ خلف عظام الجمجمة؟! وهل لاحظت تقوس عظام صدرك وحنوها على القلبك؟ فإن كنت تنشد قلبا صحيحا وسليما ينبض بالحياة، فلا تكونن عظامك تلك قضبانا لامناص منها ولا خلاص إلا بتكسيرها، أو باعتلال لا يعقبه إلا الموت!

ليست هناك تعليقات: